03/03/2024 - 10:01

هل تستطيع إسرائيل تنفيذ نكبة جديدة؟ | ترجمة

هل تستطيع إسرائيل تنفيذ نكبة جديدة؟ | ترجمة

أب فلسطيني وابنته في خيام اللاجئين عام 1948 | Getty.

 

العنوان الأصليّ: Could Israel Carry Out Another Nakba؟

المصدر: Jewish Currents.

الكاتب (ة): بيتر بينارت.

ترجمة: علاء سلامة.

 


 

عندما يشرح المسؤولون في حكومة بنيامين نتنياهو سبب حرصهم على إضعاف «المحكمة العليا الإسرائيليّة»، غالبًا ما يستشهدون بالقيود الّتي تضعها المحكمة على قدرتهم على عقاب الفلسطينيّين. "إذا أردت هدم بيوت الإرهابيّين، فمَنْ يقف في طريقي؟"، هكذا صاحت عضوة الكنيست عن حزب «الليكود» تالي غوتليب في مظاهرة مؤيّدة للحكومة في 27 آذار (مارس). "مَنْ يمنعني من سحب حقوق عائلات الإرهابيّين؟" لكلّ سؤال، كان الجمهور يردّ: «المحكمة العليا». عندما جاء دور وزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير على المنصّة، بدأ يسأل أسئلة مشابهة، ويتلقّى ردًّا مشابهًا: "عندما جئنا لتقديم قانون عقوبة الإعدام للإرهابيّين، مَنْ وقف ضدّه؟"، "عندما قدّمنا مشروع قانون لمنح الجنود حصانة، مَنْ وقف ضدّه؟". صرخ الجمهور: «المحكمة العليا».

عندما يشرح الفلسطينيّون أجندة الحكومة الحاليّة، يصف الكثيرون السياسات الّتي يقدّمها غوتليب وبن غفير بأنّها جزء من إستراتيجيّة أوسع: الطرد الجماعيّ. في أوائل آذار (مارس)، قال لي الناشط الفلسطينيّ المناهض للاحتلال فادي قرعان إنّه يشعر "كأنّنا على شفا نكبة أخرى" - اللفظ الّذي يدلّ على طرد نحو 750000 فلسطينيّ عند ولادة إسرائيل. في كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي، عندما سأل محلّل الاستطلاعات خليل الشقاقي الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة؛ لوصف "الطموح طويل الأمد لإسرائيل"، اختار 65% "توسيع حدود دولة إسرائيل لتغطّي كلّ المنطقة بين نهر الأردنّ والبحر الأبيض المتوسّط، وطرد مواطنيها العرب".

في الخطاب السياسيّ الأمريكيّ الغالب، يبدو مثل هذا الاحتمال غير وارد في التفكير الأمريكيّ. مسؤولو الحكومة الأمريكيّة لا يعترفون بمخاوف الفلسطينيّين من نكبة أخرى. غالبًا ما يعاملون الفلسطينيّين شعبًا سيكون في طريقه إلى الاستقلال لو أنّهم تجنّبوا أفعالًا "غير مفيدة" - مثل المطالبة بالضغط الدوليّ على إسرائيل - الّتي تبعدهم "أكثر فأكثر عن حلّ الدولتين". ولكن عندما يدّعي الفلسطينيّون أنّ الهدف الطويل الأمد لإسرائيل ليس دولة فلسطينيّة بل طرد الفلسطينيّين، فإنّهم لا يهلوسون. الطرد متجذّر بعمق في التاريخ الصهيونيّ، والشعور ينتشر في إسرائيل اليوم، بما في ذلك بين السياسيّين والمعلّقين الّذين يُنْظَر إليهم عمومًا على أنّهم وسطيّون. وزير الدفاع الإسرائيليّ الحاليّ، ومستشار الأمن القوميّ، ووزير الزراعة - وثلاثتهم أعضاء في حزب «الليكود» اليمينيّ المتوسّط التابع لبنيامين نتنياهو - ألمحوا إلى إمكانيّة إزالة الفلسطينيّين من البلاد.

بينما ازدادت تارة، وقلّت تارة أخرى، وتيرة طرد الفلسطينيّين في الـ75 عامًا منذ حرب الاستقلال الإسرائيليّة، هناك سبب للقلق من أنّ تطرّف الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة، مع تصاعد العنف في الضفّة الغربيّة، قد يحوّل التدفّق الحاليّ إلى فيضان.

نكبة أخرى ممكنة، يتظاهر المسؤولون الأمريكيّون بأنّها غير ممكنة، يتجنّبون براحة سؤالًا محرجًا لكن حيويًّا: ماذا سيفعلون لمحاولة إيقافها؟

لفهم كيف أصبحت فكرة التطهير العرقيّ للفلسطينيّين أمرًا شائعًا وعاديًّا في المجتمع الإسرائيليّ المعاصر؛ من المفيد فهم كيف كانت شائعة وعاديّة في تاريخ الصهيونيّة. لم تكن نكبة 1948 حادثًا فُرِضَ على الحركة الصهيونيّة بسبب الفلسطينيّين وغزو الجيوش العربيّة، بل كانت الإجابة عن مشكلة ألمّت بالسياسيّين الصهيونيّين منذ ولادة الحركة: كيفيّة إنشاء دولة يهوديّة في أرض يسكنها العرب بشكل كبير. منذ عام 1895، اعترف تيودور هرتزل في مذكّراته، "سنحاول أن ننقل السكّان الفقراء [الأصليّين] عبر الحدود؛ بتوفير فرص عمل لهم في بلدان مؤقّتة". في كتابه المؤثّر، «مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيّين»، يكتب المؤرّخ الإسرائيليّ بيني موريس، أنّه في عقدَي 1920 و1930، عندما أصبح واضحًا أنّ العرب سيرفضون السيادة اليهوديّة، وأنّ البريطانيّين سيقيّدون عاجلًا أو آجلًا الهجرة اليهوديّة، "تشكّل تَوافق أو شبه توافق بين قادة الصهيونيّة حول فكرة النقل حلًّا طبيعيًّا وفعّالًا حتّى أخلاقيًّا، للمعضلة الديموغرافيّة".

في عام 1938، أعلن ديفيد بن غوريون، الّذي سيصبح أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، "أنا أدعم النقل الإجباريّ". في العام التالي، وافق منافسه الرئيسيّ، الزعيم الثوريّ زئيف جابوتنسكي، على أنّ "العرب يجب أن يفسحوا المجال لليهود في أرض إسرائيل. إذا كان من الممكن نقل شعوب البلطيق فمن الممكن أيضًا نقل العرب الفلسطينيّين".

عندما تلوم الجماعات اليهوديّة الأمريكيّة القائمة القيادات الفلسطينيّة العربيّة لجلبها النكبة على نفسها؛ برفضها قرار التقسيم الصادر عن «الأمم المتّحدة» في عام 1947، فإنّها تغفل حقيقة أنّه نظرًا إلى أنّ العرب شكّلوا تقريبًا ثلثَي سكّان فلسطين الانتدابيّة، كانوا سيشكّلون تقريبًا نصف السكّان داخل الأراضي المخصّصة للدولة اليهوديّة. كان ضمان أغلبيّة يهوديّة كبيرة يتطلّب طردهم - وهي عمليّة بدأت قبل أشهر من إعلان الحكومات العربيّة الحرب. ولهذا السبب؛ حتّى موريس، الّذي لا يعتقد مثل بعض المؤرّخين الآخرين أنّ القيادة الصهيونيّة صاغت خطّة طرد محدّدة، يعترف بأنّ "بن غوريون كان من المؤيّدين للطرد. لقد فهم أنّه لا يمكن أن تكون هناك دولة يهوديّة مع أقلّيّة عربيّة كبيرة ومعادية في وسطها".

هذا المنطق الأساسيّ - يجب أن تشمل الدولة اليهوديّة أكبر قدر ممكن من الأراضي، وأقلّ عدد ممكن من الفلسطينيّين - لم ينتهِ بإنشاء إسرائيل في عام 1948. في كتاب «حروب حدود إسرائيل»، يستشهد موريس بتقرير من «وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة» يفيد بأنّ الدولة اليهوديّة الناشئة طردت تقريبًا 17000 بدويّ بين عامَي 1949 و1953، إمّا لأنّهم متّهمون بمهاجمة القوّات الإسرائيليّة وإمّا لأنّهم كانوا يتعدّون على الأراضي والمياه الّتي يرغب فيها اليهود. عندما احتلّت إسرائيل الضفّة الغربيّة في عام 1967، طردت مئات الآلاف من الفلسطينيّين إلى الأردنّ.

كما وضّح الأستاذ في «جامعة القدس» منير نسيبة، كان قادة إسرائيل مهتمّين بشكل خاصّ بإزالة الفلسطينيّين من المناطق الّتي اعتبروها إستراتيجيّة أو مهمّة سياسيًّا لهم: القدس الشرقيّة، محور لطرون (شريحة من الأرض جنوب مدينة موديعين الإسرائيليّة، حيث تدخل الضفّة الغربيّة إلى داخل إسرائيل)، ووادي الأردنّ، الّذي شكّل بعد الحرب الحدود الجديدة لإسرائيل مع الأردنّ. كما اعترف أرييل شارون، الّذي قاد القوّات الإسرائيليّة في عام 1967 قبل دخوله السياسة، لاحقًا، "لسنوات عدّة بعد حرب الأيّام الستّة، قُدِّمت المساعدة للعرب الّذين أرادوا الهجرة من هنا".

لكن على الرغم من حوادث الطرد هذه، لا تزال إسرائيل تسيطر على حياة الملايين من الفلسطينيّين، في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة وداخل إسرائيل نفسها. وفي النصف قرن منذ ذلك الحين، اقترح يهود إسرائيليّون ومن الشتات، مرارًا وتكرارًا، أنّ الدولة اليهوديّة ستكون أكثر أمانًا وتماسكًا إذا أمكن إقناع هؤلاء الفلسطينيّين بالمغادرة.

على الرغم من أنّ الصحافيّين غالبًا ما يربطون هذه الدعوات بالمتطرّفين اليمينيّين مثل الحاخام مائير كهانا، فإنّ العديد من الشخصيّات من التيّارات الرئيسيّة أيضًا أيّد الفكرة. عام 1968، نُقِل عن الحاخام مناحيم مندل شنيرسون أنّه قال لمقرّبين منه إنّ "إسرائيل كان يجب أن تقول للعرب [في حرب 1967] أن يغادروا ويذهبوا عبر الحدود إلى الأردنّ".

في عام 2004، أعلن بيني موريس، المؤرّخ نفسه الّذي اشتهر بتوثيق طرد إسرائيل للفلسطينيّين في عام 1948، أنّ إسرائيل قد تحتاج إلى إنهاء المهمّة. "العرب الإسرائيليّون قنبلة موقوتة"، قال للصحافيّ آري شافيت، "من حيث الديموغرافيا والأمن، فهم قابلون لتقويض الدولة. لذا؛ إذا وجدت إسرائيل نفسها مرّة أخرى في حالة تهديد وجوديّ، كما في 1948، فقد تضطرّ إلى التصرّف كما فعلت آنذاك". بعد عامين، كان إيفي إيتام، جنرال سابق تولّى منصب وزير البنية التحتيّة الوطنيّة، ثمّ وزير الإسكان والبناء، تحت قيادة رئيس الوزراء أرييل شارون، أكثر صراحة: "سيتعيّن علينا طرد الأغلبيّة الساحقة من العرب في الضفّة الغربيّة من هنا، وإزالة العرب الإسرائيليّين من النظام السياسيّ".

في عام 2009، اقترح دانيال غورديس، أحد أبرز المعلّقين باللغة الإنجليزيّة في إسرائيل، في كتابه «إنقاذ إسرائيل» أنّه "ربّما يمكن التوصّل إلى تسوية مع الدول المجاورة لإسرائيل "مصر، الأردنّ، سوريا، وفي نهاية المطاف فلسطين لاستقبال العرب الإسرائيليّين". في نفس العام، ترشّح السياسيّ أفيغدور ليبرمان للكنيست، وتعهّد من على المنصّة بسحب الجنسيّة من مواطني إسرائيل الفلسطينيّين ما لم يتعهّدوا بالولاء لدولة يهوديّة. ليبرمان، الّذي يُعَدّ الآن معتدلًا سياسيًّا بسبب معارضته لخطط إصلاح القضاء الّتي يقترحها بنيامين نتنياهو، تولّى لاحقًا منصب وزير الخارجيّة ووزير الدفاع.

هؤلاء المعلّقون والسياسيّون ليسوا متطرّفين أيديولوجيّين. لآرائهم دعم شعبيّ واسع في إسرائيل. في عام 2017، سأل الشقاقي اليهود الإسرائيليّين عمّا إذا كان "يجب طرد العرب الإسرائيليّين والفلسطينيّين في يهودا والسامرة - أو نقلهم - من إسرائيل". قال 40% نعم. في ثلاث استطلاعات أخرى، طرحت أسئلة مماثلة بين عامَي 2015 و2016، تراوحت نسبة الرأي الداعي إلى طرد الفلسطينيّين بين 32% و58%.

على الرغم من ذلك، فقد نفّذت إسرائيل في العقود الأخيرة عمليّات طرد أصغر فقط، لا شيء يُقارَن بمقياس عامَي 1948 و1967. وفقًا لمجموعة حقوق الإنسان الإسرائيليّة «هاموكيد»، بين بداية الاحتلال في 1967 و«اتّفاقيّات أوسلو» في 1994، أجبرت السياسات الإسرائيليّة، الّتي منعت الفلسطينيّين الّذين غادروا الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة من العودة، نحو 9000 فلسطينيّ في العام على الذهاب إلى المنفى الدائم. استمرّت سياسات مماثلة منذ «أوسلو» في القدس الشرقيّة، حيث - وفقًا لمجموعة حقوق الإنسان الإسرائيليّة «بتسيلم» - ألغت إسرائيل إقامة نحو 14000 فلسطينيّ منذ عام 1967.

ثمّة أسباب للخوف من أنّ هذه الأرقام قد ترتفع بشكل دراماتيكيّ. مثلًا، لاحظ مايكل بارنيت، أستاذ الشؤون الدوليّة والعلوم السياسيّة في جامعة «جورج واشنطن»، أنّ «الأمم المتّحدة» تدرج سلسلة من عوامل الخطر للإبادة الجماعيّة، وأشكالًا أقلّ من العنف المنظّم في بلد معيّن. من بين هذه العوامل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتمييز المنهجيّ ضدّ مجموعة مستضعفة، والهجمات الواسعة على المدنيّين، والدافع والقدرة على ارتكاب فظائع أوسع، وأنّ إسرائيل "تستوفي جميع المعايير".

عامل خطر رئيسيّ، كما أشار بارنيت، هو "حالات النزاع المسلّح". ليس من قبيل الصدفة أنّ أكبر عمليتَي طرد في إسرائيل، في 1948 و1967، وقعتا خلال الحرب. سواء في إسرائيل - فلسطين، أو يوغوسلافيا السابقة في التسعينات، أو شمال إثيوبيا اليوم، تمكّن الحرب التطهير العرقيّ. إنّها توفّر عذرًا للحكومات لترحيل المدنيّين، ومنع وصول الصحافيّين والمراقبين الدوليّين الّذين قد يوثّقون ما يحدث على الأرض. كذلك، فإنّ الحرب تدفع السكّان إلى الراديكاليّة. وقد لاحظ العالمان إفات ماوز وروي إيدلسون، ارتفاع دعم اليهود الإسرائيليّين للطرد خلال الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينات، ثمّ انخفض بعد انتهائها، ثمّ ارتفع مرّة أخرى مع الانتفاضة الثانية في بداية أعوام الـ 2000.

تبدو فرص اندلاع انتفاضة ثالثة اليوم أكبر ممّا كانت عليه في خلال عقدين. وفقًا لـ «الأمم المتّحدة»؛ قتلت إسرائيل عددًا أكبر من الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة عام 2022، أكثر من أيّ سنة منذ عام 2006، عندما كانت حدّة الانتفاضة الثانية آخذة في الهبوط. هذا العام، من المتوقّع أن يكون عدد الضحايا الفلسطينيّين أعلى. بعد زيارة إسرائيل في فبراير 2023، حذّر مدير «وكالة الاستخبارات الأمريكيّة» (سي آي إيه) وليام بيرنز من أنّ انتفاضة أخرى قد تندلع قريبًا.

لقد ردّت إسرائيل بقسوة على الانتفاضات من قبل. ولكن، لم تشمل أيّ حكومة إسرائيليّة، في العقود الأخيرة، العديد من كبار المسؤولين الّذين لعبوا علنًا بفكرة الطرد الجماعيّ كما هو الحال الآن. بالنسبة إلى بتسلئيل سموتريتش، وزير الماليّة الإسرائيليّ، الّذي يشرف على الإدارة المدنيّة في الضفّة الغربيّة، فإنّ هجرة الفلسطينيّين أساسيّة لحلّ النزاع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ. في عام 2017، قدّم ما أسماه «خطّة حاسمة» يعرض فيها على الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة خيارين. الّذين يوافقون على "التخلّي عن تطلّعاتهم الوطنيّة" - بمعنًى آخر، التخلّي عن المطالبة بدولة فلسطينيّة أو الجنسيّة الإسرائيليّة - سيُسْمَح لهم بالبقاء في الضفّة الغربيّة مواطنين بلا دولة. الّذين يحتفظون بهذه المطالبات سيتلقّون "مساعدة للهجرة".

على الرغم من أنّ الخطّة تغطّي فقط الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة، إلّا أنّ سموتريتش اقترح مرارًا وتكرارًا أن يلقى المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل، الّذين يتحدّون الهيمنة اليهوديّة، مصيرًا مماثلًا. في نيسان (أبريل) 2021، في تغريدة موجّهة إلى عضو الكنيست الفلسطينيّ أحمد طيبي، أعلن سموتريتش أنّ "المسلم الحقيقيّ يجب أن يعرف أنّ أرض إسرائيل تعود لشعب إسرائيل، ومع مرور الوقت لن يبقى العرب مثلك الّذين لا يعترفون بهذا هنا". ذلك الخريف، قال لزملائه الفلسطينيّين في الكنيست إنّهم "هنا بالخطأ؛ لأنّ بن غوريون لم ينهِ العمل ويطردكم في 1948".

ليس من الصعب تخيّل أنّ سموتريتش قد يفسّر انتفاضة فلسطينيّة أخرى؛ دليلًا على أنّ آلافًا - إن لم يكن ملايين الفلسطينيّين - يحتفظون بشكل نشط بـ "التطلّعات الوطنيّة"، ويجب، بالتالي، ’مساعدتهم‘ على مغادرة البلاد. واعترف زعيم المعارضة بيني غانتس في شباط (فبراير): "سموتريتش يريد أن يسبّب نكبة فلسطينيّة أخرى، بالنسبة إليه، التصعيد شيء مرغوب فيه". من المفترض أن يكون ذلك مرغوبًا أيضًا بالنسبة إلى بن غفير، الّذي اقترح في العام الماضي إنشاء وزارة لـ ’تعزيز الهجرة‘ بين الفلسطينيّين "الّذين يريدون القضاء على الدولة اليهوديّة". ومثل سموتريتش، لا يقصر بن غفير هذه الرؤية على الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة. خلال حملة 2022، نصبت حملته لوحات إعلانيّة كُتِب عليها "النفي لأعدائنا" تحت صور أعضاء الكنيست من الأحزاب الفلسطينيّة.

كان من المريح اعتقاد أنّ سموتريتش وبن غفير هما شاذّان عن الإجماع الإسرائيليّ، وأنّ آراءهما لا تتمتّع بشعبيّة كبيرة في حكومة يقودها أعضاء من حزب «الليكود»، الّذي يبدو أكثر اعتدالًا بقيادة بنيامين نتنياهو. ولكنّ عددًا من كبار وزراء «الليكود» في الحكومة أشاروا أيضًا إلى انفتاحهم على فكرة الطرد الجماعيّ كذلك. أفي ديختر، وزير الزراعة والتنمية الريفيّة الإسرائيليّ الحاليّ، وركن من أركان المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة، قاد، على مدى العقدين الماضيين «الشاباك - جهاز الأمن الداخليّ الإسرائيليّ»، وخدم وزيرًا للأمن العامّ تحت رئاسة رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وأكمل زمالة في «مؤسّسة بروكينغز» البارزة في واشنطن. في عام 2007، ردًّا على أخبار بأنّ مواطنين فلسطينيّين كانوا يقاطعون احتفالات الذكرى الستّين لقيام إسرائيل، حذّر بأنّه "مَنْ يبكي على النكبة عامًا تلو الآخر، لا ينبغي أن يتفاجأ إذا كان لديه نكبة في نهاية المطاف".

من بين زملاء ديختر في «الليكود» تساحي هنغبي، مستشار الأمن القوميّ الإسرائيليّ. مثل ديختر، عمل هنغبي ليس فقط في ائتلافات يمينيّة، بل أيضًا في ائتلافات وسطيّة نسبيًّا، مثل ائتلاف شارون، الّذي فكّك المستوطنات الإسرائيليّة في غزّة. على عكس سموتريتش، الّذي رفض مسؤولو إدارة بايدن لقاءه، يُعْتَبَر هنغبي محاورًا محترمًا في واشنطن؛ فقد التقى وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن في الشهر الماضي. هنغبي أيضًا هدّد بالطرد الجماعيّ: بعد أن قتل فلسطينيّون ثلاثة مدنيّين إسرائيليّين في الضفّة الغربيّة في عام 2017، كتب هنغبي في فيسبوك: "هكذا تبدأ ’نكبة‘. تمامًا هكذا. تذكّر عام 48. تذكّر عام 67… وعندما تريد إيقاف كلّ شيء سيكون قد فات الأوان. سنكون قد وصلنا أصلًا إلى ما بعد النكبة الثالثة".

ثمّ هناك يوآف غالانت، الّذي أقاله بنيامين نتنياهو مؤخّرًا، ثمّ أعاده إلى منصب وزير الدفاع. "قبل أربع وسبعين سنة، جرّكم قادتكم داخل دولة إسرائيل إلى حرب نتج عنها نزوح جماعيّ من إسرائيل"، خاطب الفلسطينيّين، ثمّ حذّر من أنّه إذا "تجاوزتم الخطّ الأحمر... فسيكون الثمن باهظًا".

من المستحيل معرفة كيف يمكن حدوث الطرد الجماعيّ، لكن إحدى الإشارات تكمن في اتّفاقيّات الائتلاف الّتي تحدّد جدول أعمال الحكومة الحاليّة. تدعو الاتّفاقيّات الحكومة إلى إطلاق عمليّة تسجيل الأراضي في الضفّة الغربيّة. بينما قد يبدو ذلك أمرًا تقنيًّا، فإنّ التداعيات المحتملة له ضخمة. نظرًا إلى أنّ العديد من الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة يمتلكون وثائق من العهود الأردنيّة، والانتداب البريطانيّ، أو حتّى العثمانيّة - الّتي لا تفي بمعايير القانون الإسرائيليّ - وبسبب عدم وصولهم إلى قواعد البيانات الّتي يمكن أن تؤكّد ملكيّتهم لأراضيهم؛ فمن المرجّح أن تؤدّي عمليّة تسجيل الأراضي إلى إعلان إسرائيل، أنّ العديد من الفلسطينيّين لا يملكون الأرض الّتي يعيشون عليها. ستصبح أرضهم بعد ذلك ملكًا للدولة الإسرائيليّة، الّتي يمكن أن توزّعها على المستوطنين. في تحليل مشترك لاتّفاقيّات الائتلاف، خلصت المنظّمات الإسرائيليّة التقدّميّة «ييش دين»، و«كسر الصمت»، و«الجمعيّة من أجل الحقوق المدنيّة في إسرائيل»، و«أوفيك»، خلصت إلى أنّ تسجيل الأراضي "من المتوقّع أن يحرم الفلسطينيّين من حقوق الملكيّة على نطاق هائل".

بمجرّد حرمانهم من حقوق الملكيّة، سيصبح العديد من الفلسطينيّين مثل سكّان مسافر يطّا والخان الأحمر، الّذين أُعْلِن أنّهم واضعو يد غير قانونيّين، وتقرّر تدمير منازلهم. عندما سألت المحامي الإسرائيليّ لحقوق الإنسان، مايكل سفارد، كيف يعتقد أنّ مثل هذه العمليّة قد تتكشّف، اقترح أنّ سموتريتش وحلفاءه يأملون في فرض ضغوط كافية على الفلسطينيّين لإقناع العديد منهم بالمغادرة. "الفكرة هي وضع تدابير قسريّة من شأنها أن تدفع الناس إلى مغادرة البلاد".

كيف ستتفاعل إسرائيل إذا قاوم الفلسطينيّون بدلًا من ذلك على نطاق واسع؟ أستتراجع أم ستلجأ إلى تدابير أكثر قسوة؟ من المستحيل معرفة ذلك. لكنّ ثمّة عاملًا نهائيًّا يجعل الطرد الجماعيّ أكثر احتمالًا: إيمان الحكومة الإسرائيليّة بأنّها يمكن أن تفعل ما تريد دون دفع الثمن. في عام 2001، تفاخر نتنياهو، في محادثة مسجّلة سرًّا بأنّ "أمريكا شيء يمكنك تحريكه بسهولة جدًّا". لا شيء، في العقود الأخيرة، أعطاه سببًا ليغيّر من رأيه. بصفته رئيسًا للوزراء، تعهّد دائمًا بأنّ إسرائيل لن تزيل مستوطنة مرّة ثانية، ومنح وزارات عليا لعنصريّين صريحين مثل سموتريتش وبن غفير، وأشرف على ما وصفه دانيال كورتزر، السفير الأمريكيّ السابق لدى إسرائيل، مؤخّرًا بـ "نمط إسرائيل في التراجع عن التزاماتها أمام الولايات المتّحدة"؛ الأمر الّذي اعتبره استثنائيًّا. على الرغم من كلّ هذا، تواصل أمريكا تقديم الدعم الماليّ والدبلوماسيّ بشكل أساسيّ دون شروط لإسرائيل. رؤساء الحزبين الرئيسيَّين يرفضون تطبيق القوانين الّتي تمنع استخدام المساعدات الأمريكيّة في انتهاك حقوق الإنسان، ويعرقلون بلا هوادة الجهود للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيليّة وإدانتها في المحافل الدوليّة.

ليس ثمّة ما يوحي أنّ جو بايدن سيغيّر من هذا الوضع القائم. بصفته مرشّحًا للرئاسة، وصف فرض شروط حقوق الإنسان على المساعدات لإسرائيل بأنّه أمر "فظيع وفاضح تمامًا". وبعد أسابيع قليلة من الهجوم على الفلسطينيّين في بلدة حوّارة بالضفّة الغربيّة، أجاب المتحدّث باسم بايدن عن سؤال حول شروط المساعدات؛ مؤكّدًا دعم الإدارة الأمريكيّة "الصارم والقويّ لأمن إسرائيل". "ويدعم موقف بايدن منظّمات يهوديّة أمريكيّة تقليديّة، مثل «اتّحادات اليهود في أمريكا الشماليّة»، الّتي وصفت دعمها لإسرائيل بأنّه "أبديّ وغير مشروط".

بالنظر إلى سجلّ أمريكا خلال الـ 30 عامًا الماضية، ثمّة القليل من الأسباب للاعتقاد بأنّ هناك أيّ شيء يمكن أن تفعله إسرائيل بالفلسطينيّين، قد يدفع الديمقراطيّين التقليديّين، فضلًا على الجمهوريّين، إلى معارضة المساعدات الأمريكيّة لإسرائيل، أو تأييد القرارات ضدّها في «الأمم المتّحدة»، أو دعم مقاضاة مسؤوليها في «المحكمة الجنائيّة الدوليّة».

في تمّوز (يوليو) 2015، بعد أسابيع عدّة من إعلان دونالد ترامب ترشّحه للرئاسة، حذّر عضو الكونغرس عن ولاية مينيسوتا آنذاك، كيث إليسون، من أنّ ترامب قد يفوز، وأعلن في برنامج «The Week» الحواريّ الأسبوعيّ على قناة «ABC» أنّ "أيّ شخص من الديمقراطيّين يخشى من إمكانيّة أن يصبح ترامب رئيسًا، عليه أن يصوّت وأن ينشط وأن يشارك؛ لأنّ هذا الرجل لديه زخم". انفجر الآخرون في اللجنة بالضحك. "أعلم أنّكم لا تعتقدون ذلك"، عاتبهم المضيف جورج ستيفانوبولوس. لكنّ إليسون، وكان الضيف الأسود الوحيد في البرنامج، لم يكن يمزح. "لقد حدثت أمور أغرب من ذلك"، أصرّ.

عندما حذّر إليسون زملاءه في اللجنة من أنّ الأمريكيّين الّذين يرغبون في إيقاف ترامب يحتاجون إلى النشاط، كان يرسم صلة بين الخيال السياسيّ والمسؤوليّة السياسيّة. افتراض أنّ نكبة أخرى مستحيلة يسمح للمسؤولين الأمريكيّين تجنّب طرح سؤال على أنفسهم، حول ما يمكنهم فعله لمحاولة منع حصول نكبة. وهو أمر مريح؛ لأنّ الإجابة عن هذا السؤال؛ استنادًا إلى الأدلّة الحاليّة، هي: ليس بإمكانهم فعل الكثير.

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وشوؤنها وتناولها عالميًّا.

 

 

 

التعليقات